
في سطور التاريخ الإسلامي، يبرز الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه كواحد من أعلام الأمة الذين حفظ الله بهم كتابه الكريم، وهيّأهم لرسالة عظيمة خلّدها الزمان، ألا وهي جمع القرآن. وفي هذه الفائدة، نُلقي الضوء على سيرته العطرة ودوره المركزي في كتابة الوحي وجمع القرآن الكريم.
نسبه وشيء من سيرته:
هو: زَيْدُ بنُ ثَابِتِ بنِ الضَّحَّاكِ بنِ زَيْدٍ الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ، الأَنْصَارِيُّ. وُلد رضي الله عنه قبل الهجرة بـ 11 عامًا، قُتِلَ أَبُوْهُ يَوْمَ بُعَاثٍ وهو ابْنُ 6 سِنِيْنَ؛ فَرُبِّيَ زَيْدٌ يَتِيْماً. ولما قدِم النبيُّ ﷺ المدينةَ أسلم زيدٌ وهو حينئذٍ ابْنُ 11 سَنَةً.
ولأجل صغر سنة، لم يشاركْ في غزوتيْ بدر وأحد، لكنّه شهد غزوة الخندق، التي كانت أولى معاركه. وفي غزوة تبوك، حمل راية قومه بني مالك بن النجار. وفُجع يوم الحرة في 7 من أولاده. ومات سنة 51 هـ في ولاية معاوية.
شيءٌ من مناقبه:
وصفَه الذهبيُّ في السير بأنه "الإِمَامُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ المُقْرِئِيْنَ وَالفَرَضِيِّيْنَ (العلم بقسمة المواريث)، مُفْتِي المَدِيْنَةِ، كَاتِبُ الوَحْيِ رضي الله عنه".
وقال النَّبِيُّ ﷺ فيه: «أَفْرَضُ أُمَّتِي: زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ» [صحيح الجامع (1084)]، أي: أعلَمُهم بمسائِلِ قِسمَةِ المَواريثِ.
كانَ أَحَدَ فُقهاءِ الصَّحابةِ، و"مَا كَانَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ يُقَدِّمَانِ عَلَى زَيْدٍ أَحَداً فِي الفَرَائِضِ، وَالفَتْوَى، وَالقِرَاءةِ، وَالقَضَاءِ". [الطبقات الكبري لابن سعد 2 / 359].
ولمكانته وعلمه وفضله، كان عمر يستخلفه على المدينة أثناء الحج، وكذلك فعل عثمان رضي الله عنهم. [الاستيعاب (3/ 96)]
وكان نابغًا متقد الذهن حاد الذكاء، فتمكن من إتقان لغة اليهود في نِصْف شَهْرٍ أو 17 يومًا فقط؛ وذلك حين أمره النبي ﷺ بذلك.
علاقة مبكرة بالقرآن:
أما حالُه مع القرآن فهي حال عجيبة ترى فيها من آيات الله مع يجعلك تقف مشدوهًا أمام توفيق الله لهذا الرجل وتهيئته منذ صغره ليكون جديرًا بمهمة عظيمة أُسندت إليه لاحقًا، واختير لها دون غيره من الصحابة الكرام، وهي مهمة جمع القرآن.
وقد ظهر نبوغُ زيد رضي الله عنه مبكرًا في أول مقدم النبي ﷺ المدينة، وكان حينئذ لا يزال طفلا لم يتجاوز 11 سنة، يقول زيد: "أُتِيَ بِي النَّبِيُّ ﷺ مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا غُلامٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، قَدْ قَرَأَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْكَ سَبْعَ عَشْرَةَ سُورَةً، قال: فَقَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ".
واستمرت عناية زيد بالقرآن الكريم حفظًا إلى أن بات أحد الحفاظ المتقنين له؛ حتى عدَّه أنسُ بن مالك رضي الله عنه، أحدَ أربعةٍ جَمعوا القُرْآنَ علَى عَهْدِ النبيِّ ﷺ. [صحيح البخاري (5004)].
✍️ كاتب الوحي وجامع القرآن:
ولأجل نبوغه وعنايته الفائقة بالقرآن، شرَّفه النبيُّ ﷺ بأن أسند إليه كتابة الوحي؛ يقول زيد رضي الله عنه: "كَانَ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ، بَعَثَ إِلَيَّ، فَكَتَبْتُهُ" [الطبراني (4882)].
وبعد وفاة عددٍ كبير من قرّاء القرآن في معركة اليمامة، أشار عمر على أبي بكر رضي الله عنهما بجمع القرآن؛ فلم يجدا أحدًا أجدرَ من زيدٍ للقيام بهذه المهمة، يقول زيد: "فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ والأكْتَافِ، والعُسُبِ وصُدُورِ الرِّجَالِ". وظلت هذه الصحف عند أبي بكر، ثم عمر، ثم حفصة بنت عمر، رضي الله عنهم. [البخاري (4679)].
وفي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، ظهرت خلافات في قراءة القرآن بسبب اختلاف لهجات العرب؛ مما كاد يسبب فتنةً بين المسلمين؛ فجمع عثمانُ الصحابة، وطلب ممن كان عنده شيءٌ من القرآن سمعه من رسول الله ﷺ أن يأتيَه به،
"ثم قال: أيُّ الناس أفصحُ؟ قالوا: سعيد بن العاص، ثم قال: أيُّ الناس أكتَبُ؟ قالوا: زيد بن ثابت، قال: فليكتب زيد، وليملِ سعيد، قال: وكتَبَ مصاحف فقسمها في الأمصار، فما رأيتُ أحدًا عاب ذلك عليه". [المصاحف، لابن أبي داود السجستاني، ص: 101].
هكذا كان زيد بن ثابت حاملًا أمانة القرآن، كاتبًا للوحي، حافظًا له، جامعًا له في المصحف العثماني؛ فصار عمله هذا من أعظم مآثره وخدماته التي قدمها للأمة الإسلامية، فما أجمل أن نتذكر فضل هذا الرجل ونرى أثره الطيب في كل مصحف يُتلى في الأرض الآن وإلى يوم الدين.
وصدق الشاعرُ حين يقول فيه:
فَمَنْ لِلْقَوَافِي بَعْدَ حَسَّانٍ وَابْنِهِ … وَمَنْ لِلْمَثَانِي بَعْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتِ
هل كنت تعرف دور زيد بن ثابت في جمع المصحف؟ .. أخبرنا بما أثار إعجابك 👇
هذه سيرة تستحق أن تُروى… ساهم في نشرها بين أصدقائك!📢